فصل: (سورة النساء: آية 170):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.الفوائد:

1- جزم الرازي بأن قوله الراسخون مبتدأ خبره يؤمنون، وإذا هو يفسر الراسخين بالمستدلين وعلل ذلك بأن المقلد يكون بحيث إذا شكك يشكّ وأما المستدل فانه لا يشك البتة وأورد في قوله والمؤمنون وجهين: أحدهما انهم المؤمنون منهم، والثاني انهم المؤمنون من المهاجرين والأنصار والمعنى ان الراسخين في العلم منهم هم، ومؤمنو المهاجرين والأنصار سواء في كونهم يؤمنون بما أنزل إلى محمد صلى اللّه عليه وسلم وما أنزل إلى من قبله من الرسل لا يفرقون بينهم.
أبو السعود يرجح الثاني:
على أن أبا السعود- وقد ألمعنا في كلام مضى إلى ثقوب ذهنه- أصر على أن الخبر هو قوله: {أولئك سنؤتيهم} قال: وقوله: {أولئك} إشارة إليهم باعتبار اتصافهم بما عدد من الصفات الجميلة وما فيه من معنى البعد للاشعار بعلو درجتهم وبعد منزلتهم في الفضل وهو مبتدأ وقوله سنؤتيهم أجرا عظيما خبره والجملة خبر للمبتدأ الذي هو الراسخون وما عطف عليه والسين لتأكيد الوعد وتنكير الاجر للتفخيم وهذا الاعراب أنسب بتجاوب طرفي حيث أوعد الأولون بالعذاب الأليم ووعد الآخرون بالأجر العظيم، واما ما جنح اليه الجمهور من جعل قوله يؤمنون بما انزل إليك إلخ خبرا للمبتدأ ففيه كمال السداد غير انه غير متعرض لتقابل الطرفين وانما أثبتنا كلام أبي السعود لما فيه من توئب ذهني مع أن الاول هو الأولى.
2- تغيير الاعراب- كما قلنا- آنفا فيه حفز للذهن إلى التفكير، في سبب التغيير، واستخراج المزية الكامنة فيه ونظيره في النطق أن يغيّر المتكلم جرس صوته، وكيفية أدائه للكلمة التي يريد تنبيه المخاطب لها كرفع الصوت أو خفضه أو مده بها وقد عدّ مثل هذا بعض الجاهلين والمتجاهلين من الغلط في أصحّ الكلام وأبلغه.
رد الزمخشري البليغ:
ومن المفيد هنا أن نورد ما قاله الزمخشري في هذا الصدد قال:
وهو باب واسع قد كسره سيبويه على أمثلة وشواهد ولا يلتفت إلى ما زعموا من وقوعه لحنا في خطّ المصحف وربما التفت اليه من لم ينظره في الكتاب (أي كتاب سيبويه) ولم يعرف مذاهب العرب، وما لهم من النصب على الاختصاص من الافتنان وغبي عليه أن السابقين الأولين كانوا أبعد همة في الغيرة على الإسلام وذبّ المطاعن عنه من أن يتركوا في كتاب اللّه ثلمة ليسدها من بعدهم، وخرقا يرفوه من يلحق بهم.
ما يقوله ابن جرير:
أما ابن جرير فقد ذكر أنها في مصحف ابن مسعود والمقيمون الصلاة قال: والصحيح قراءة الجميع وردّ على من زعم أن ذلك من غلط الكتاب ثم ذكر اختلاف الناس فقال بعضهم هو منصوب على المدح كما جاء في قوله: {والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس} قال: وهذا سائغ في كلام العرب كما قال الشاعر:
لا يبعدن قومي الذين هم ** سم العداة وآفة الجزر

النازلين بكل معترك ** والطيبون معاقد الأزر

وقال آخرون: هو مخفوض عطفا على قوله بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك.
نص عبارة سيبويه:
أما عبارة سيبويه في كتابه فهي: هذا باب ما ينتصب على التعظيم ومن ذلك: والمقيمين الصلاة وأنشد:
وكل قوم أطاعوا أمر سيدهم ** إلا نميرا أطاعت أمر غاويها

الطاعنين ولما يطعنوا أحدا ** والقائلون: لمن دار تخلّيها

.[سورة النساء: الآيات 163- 165]:

{إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَعِيسى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهارُونَ وَسُلَيْمانَ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُورًا (163) وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيمًا (164) رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (165)}

.اللغة:

(الوحي): في اللغة يطلق على الإشارة والإيماء، ومنه قوله تعالى: {فأوحى إليهم أن سبّحوا بكرة وعشيّا}، وعلى الإلهام الذي يقع في النفس، وهو أخفى من الإيماء. ومنه قوله تعالى: {وأوحينا إلى أم موسى}. ويظهر أن هذا بعناية من اللّه عز وجل، ومنه ما يكون غريزيا دائما، ومنه قوله تعالى: {وأوحى ربك إلى النحل}، وعلى الإعلام في الخفاء، وهو أن تعلم إنسانا بأمر تخفيه عن غيره، ومنه قوله تعالى: {شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض}، وأطلق على الكتابة والرسالة لما يكون فيها من التخصيص، ووحي اللّه إلى أنبيائه هو ما يلقيه إليهم من العلم الضروري الذي يخفيه عن غيرهم بعد أن يكون أعدهم لتلقّيه بواسطة كالملك أو بغير واسطة.
رأي محمد عبده:
وعرفه الأستاذ الامام الشيخ محمد عبده في رسالة التوحيد بأنه عرفان يجده الشخص من نفسه مع اليقين بأنه من قبل اللّه، بواسطة أو بغير واسطة. والأول يتمثل لسمعه بصوت أو بغير صوت. ويفرّق بينه وبين الإلهام بأن الإلهام وجدان تستيقنه النفس، وتنساق إلى ما يطلب، على غير شعور منها من أين أتى. وهو أشبه بوجدان الجوع والعطش والحزن والسرور. ثم أفاض الأستاذ الامام في بيان وجه إمكانه ووقوعه.
(الْأَسْباطِ) جمع سبط، وهو يطلق على ولد الولد. وأسباط بني إسرائيل اثنا عشر سبطا.
(الزبور): بمعنى المزبور، كالركوب بمعنى المركوب. وقرأه حمزة وخلف بضم الزاي، وهو جمع وزن مفرده، وقيل: هو مصدر.
وهو على كل حال بمعنى كتاب ومكتوب. وفي المختار: والزبر بالكسر، والجمع زبور كقدر وقدور.

.الإعراب:

{إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ} كلام مستأنف مسوق لتطمين رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بذكر الأنبياء الذين بعثهم اللّه إلى البشر قبله وإن واسمها، وجملة أوحينا خبر، وإليك جار ومجرور متعلقان بأوحينا، والكاف نعت لمصدر محذوف أي إيحاء مثل إيحائنا، وما تحتمل أن تكون مصدرية فتكون مع ما بعدها مصدرا مؤولا في محل جر بالإضافة، كوحينا وأن تكون اسم موصول بمعنى الذي والعائد محذوف، أي كالذي أوحيناه إلى نوح، وجملة أوحينا لا محل لها لأنها صلة الموصول. والى نوح جار ومجرور متعلقان بأوحينا، والنبيين عطف على نوح، ومن بعده متعلقان بمحذوف حال. وبدأ بذكر نوح لأنه أقدم نبي مرسل ذكر في كتب القوم.
وإنما تنهض الحجة دليلا على الناس إذا كانت مقدماتها معروفة عندهم، ثم خص بعض النبيين بالذكر فقال: {وَأَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَعِيسى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهارُونَ وَسُلَيْمانَ} الواو عاطفة، وأوحينا فعل وفاعل، والى ابراهيم متعلقان بأوحينا، وما بعده من أسماء النبيين معطوفة عليه {وَآتَيْنا داوُدَ زَبُورًا} آتينا فعل وفاعل، داود مفعول به أول، وزبورا مفعول به ثان {وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ} رسلا مفعول به لفعل محذوف معطوف على أوحينا تقديره وآتينا، وجملة قد قصصناهم صفة، وعليك متعلقان بقصصنا، ومن قبل متعلقان بمحذوف حال {وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ} عطف على ما تقدم {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيمًا} الواو عاطفة وكلّم اللّه فعل وفاعل، وموسى مفعول به، وتكليما مفعول مطلق مؤكد لرفع احتمال المجاز. قال الفراء: العرب تسمي ما وصل إلى الإنسان كلاما بأي طريق وصل، ما لم يؤكد بالمصدر، فإن أكد به لم يكن إلا حقيقة {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ} رسلا بدل من {رسلا} قبله أو منصوب على المدح، ومبشرين صفة، ومنذرين عطف على مبشرين {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} هذه اللام لام كي وتتعلق بمنذرين أو بمبشرين، فالمسألة من باب التنازع، وسيأني ذكره في باب الفوائد، ويجوز أن تتعلق اللام بمحذوف أي: أرسلناهم لذلك، وأن حرف ناصب ولا نافية، ويكون فعل مضارع ناقص منصوب بأن وللناس متعلقان بمحذوف خبر مقدم، وعلى اللّه متعلقان بمحذوف حال، وحجة اسم يكون المؤخر، وبعد الرسل ظرف زمان متعلق بمعنى النفي، أي: لتنتفي حجتهم واعتذارهم بعد إرسال الرسل. {وَكانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} تقدم إعرابه كثيرا.

.الفوائد:

1- جميع أسماء الأنبياء ممنوعة من الصرف ما عدا ستة يجمعها قولك: صن شمله وهي: صالح ونوح وشعيب ومحمد ولوط وهود، وتمنع من الصرف للعلمية والعجمة. والمراد بالعجميّ ما نقل عن لسان غير العرب بأي لغة كانت، وتعرف عجمة الاسم بوجوه:
1- نقل الأئمة.
2- خروج الاسم عن أوزان الأسماء العربية كإبراهيم.
3- أن يكون رباعيا أو خماسيا خاليا من حروف الذّلاقة، وحروف الذّلاقة ستة: وهي الميم والرّاء والباء الموحّدة والنون والفاء واللام ويجمعها: (مر بنفل).
4- أن يجتمع فيه من الحروف ما لا يجتمع في كلام العرب، كالجيم والقاف بفاصل نحو: جرموق وبغير فاصل نحو: قج وجقّة، والصاد والجيم نحو: الصولجان، والكاف والجيم نحو: السكرجة، والراء بعد النون في أول الكلمة نحو: نرجس، والزاي بعد الدال في آخر الكلمة نحو: مهندز.
2- التنازع: في العمل هو أن يتقدم فعلان متصرفان أو اسمان يشبهانهما في العمل، أو فعل متصرف واسم يشبهه في العمل، ويتأخر عنهما معمول، وهو مطلوب لكل منهما من حيث المعنى. مثال الفعلين:
{آتوني أفرغ عليه قطرا} ومثال الاسمين قوله:
عهدت مغيثا مغنيا من أجرته ** فلم أتخذ إلا فناءك موئلا

ومثال المختلفين: {هاؤم اقرءوا كتابيه}. وإذا تنازع العاملان جاز إعمال أيهما شئت، فاختار البصريون الأخير لقربه واختار الكوفيون الأول لسبقه. وتفصيل الحديث في التنازع مبسوط في كتب النحو، والآية من إعمال الثاني لأنه لو كان من إعمال الأول لأضمر في الثاني، فكان يقال: مبشرين ومنذرين له، ولم يقل كذلك، فدل على مذهب البصريين. وله في القرآن نظائر.
3- أراد بقوله: {ورسلا لم نقصصهم عليك} المرسلين إلى الأمم المجهول علمها وتاريخها عند قومك وعند أهل الكتاب المجاورين لبلادك، كأمم الشرق وأمم بلاد الشمال وأمم القسم الآخر من الأرض.
4- علم الكلام: قال ثعلب: لولا التأكيد بالمصدر بقوله: {وكلم اللّه موسى تكليما} لجاز أن تقول: قد كلمت لك فلانا، يعني كتبت إليه رقعة، وبعثت إليه رسولا، فلما قال: {تكليما} لم يكن إلا كلاما مسموعا من اللّه تعالى. وبمسألة الكلام: سمي علم أصول الدين بعلم الكلام، وهي مسألة يبحث عنها في أصولها.

.[سورة النساء: الآيات 166- 169]:

{لكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيدًا (166) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلالًا بَعِيدًا (167) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا (168) إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَدًا وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (169)}

.الإعراب:

{لكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ} هذه الجملة الاستدراكية مستأنفة لبيان جملة محذوفة لابد منها، لتكون هذه الجملة مستدركة عنها. والجملة المحذوفة هي ما روي في أسباب النزول: لما سأل أهل الكتاب إنزال الكتاب من السماء وتعنّتوا في ذلك ما شاء لهم التعنت، قال: لكن اللّه يشهد، بمعنى أنهم لا يشهدون ولكن اللّه يشهد. ولكن مخففة مهملة واللّه مبتدأ وجملة يشهد خبر، وبما جار ومجرور متعلقان بيشهد، وجملة أنزل إليك صلة الموصول {أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ} الجملة مفسرة لا محل لها، وأنزله فعل ومفعول به، والفاعل مستتر تقديره هو، وبعلمه متعلقان بمحذوف حال، أي متلبسا بعلمه الخاص، أو حال كونه معلوما للّه تعالى. والملائكة الواو عاطفة والملائكة مبتدأ خبره جملة يشهدون {وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيدًا} الواو استئنافية، وكفى فعل ماض، والباء حرف جر زائد واللّه فاعل مجرور لفظا مرفوع محلا، وشهيدا تمييز {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} الجملة مستأنفة، وإن واسمها، وجملة كفروا صلة الموصول وجملة صدوا عطف عليها وعن سبيل اللّه متعلقان بصدوا {قَدْ ضَلُّوا ضَلالًا بَعِيدًا} الجملة خبر إن، وضلالا مفعول مطلق، وبعيدا صفة {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا} الجملة مستأنفة لبيان مصيرهم. وإن واسمها، وجملة كفروا صلة، وجملة ظلموا عطف على الصلة، وجملة لم يكن اللّه خبرها، ولم حرف نفي وقلب وجزم، ويكن فعل مضارع ناقص مجزوم بلم، واللّه اسمها، وليغفر اللام لام الجحود، ويغفر فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد لام الجحود.
والجار والمجرور متعلقان بمحذوف خبر يكن، أي: مريدا ليغفر لهم، وقد تقدم تقرير ذلك. ولا الواو حرف عطف، ولا نافية، ليهديهم عطف على ليغفر، وطريقا مفعول به ثان أو منصوب بنزع الخافض {إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَدًا} إلا أداة استثناء، وطريق مستثنى متصل، وجهنم مضاف اليه مجرور وعلامة جره الفتحة، لأنه ممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث، وخالدين حال من مفعول يهديهم، وأبدا ظرف زمان متعلق بخالدين بمثابة التأكيد، لئلا يحمل على طول المكث.
وسيأتي مزيد بحث عنه {وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا} الواو استئنافية وكان واسمها وعلى اللّه جار ومجرور متعلقان بيسيرا أو بمحذوف حال ويسيرا خبر كان.

.الفوائد:

معنى الخلود في اللغة: بقاء الشيء مدة طويلة، على حال واحدة، لا يطرأ عليه تغيير، ولا فساد. كقولهم للأثافي، أي: حجارة الموقد:
خوالد. وذلك لطول مكثها لا لدوام بقائها. والأبد عبارة عن مدة الزمان الممتدّ الذي لا يتجزأ كما يتجزأ الزمان. وتأبّد الشيء: بقي أبدا. ويعبّر به عن كل ما يبقى مدة طويلة. وفي لسان العرب:
الأبد: الدهر، وفيه تساهل وفي المثل: «طال الأبد على لبد» يضرب ذلك لكل ما قدم. وقالوا: أبد بالمكان- من باب ضرب- أبودا: أقام به ولم يبرحه. ولم يكن عندهم شيء بمعنى اللانهاية يدور في كلامهم.
وفسر الخلد في اللسان بدوام البقاء في دار لا يخرج منها. والمراد بالسكنى الدائمة في العرف ما يقابل السكنى الموقتة المتحوّلة، كسكنى البادية. فالذين لهم بيوت في المدن يسكنونها يقال في اللغة: إنهم خالدون فيها. قال في اللسان: وخلد بالمكان يخلد خلودا- من باب نصر- وأخلد أقام، وخلد كضرب ونصر خلدا وخلودا أيضا: أبطأ عنه الشيب. ومن كبر ولم يشب ولم تسقط أسنانه يقال له: المخلد بكسر اللام، وقيل: بفتحها. وقال زهير:
لمن الدّيار غشيتها بالفدفد ** كالوحي في حجر المسيل المخلد

.[سورة النساء: آية 170]:

{يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْرًا لَكُمْ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (170)}

.الإعراب:

{يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ} كلام مستأنف مسوق لأمر المكلفين بصورة عامة بالايمان بعد أن سدت عليهم منافذ الاعتذار، والنداء عام للناس جميعا لا أهل مكة وحدهم، وإن كان الغالب أن {يا أيها الناس} خطاب لأهل مكة، و{يا أيها الذين آمنوا} خطاب لأهل المدينة. وقد حرف تحقيق، وجاءكم الرسول فعل ومفعول به وفاعل، وبالحق جار ومجرور متعلقان بجاءكم، ومن ربكم متعلقان بمحذوف حال {فَآمِنُوا خَيْرًا لَكُمْ} الفاء الفصيحة، وآمنوا فعل أمر وفاعله، أي: إذا كان الأمر كما عرفتم فآمنوا يكن الايمان خيرا لكم لأنه يزكيكم ويطهّركم من الأدناس الحسية والمعنوية، ويؤهلكم للسعادة الأبدية. وهذا هو التقدير المتبادر إلى الذهن، وعليه الكسائيّ فهو خبر لكان المحذوفة مع اسمها. وأما الخليل وسيبويه فيقدّران: واهتدوا بالايمان خيرا لكم، أي: مما أنتم عليه.
وقال الفراء: فآمنوا إيمانا خيرا لكم، فانتصابه على أنه صفة لمصدر محذوف. وقال الزمخشري: وانتصابه بمضمر، وذلك أنه لما بعثهم على الايمان علم أنه يحملهم على أمر، فقال: خيرا لكم، أي: اقصدوا أو ائتوا خيرا لكم مما أنتم فيه. ولكم متعلقان بـ {خيرا} {وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} الواو عاطفة وإن شرطية، وتفكروا فعل مضارع فعل الشرط، والجواب محذوف تقديره:
فلا يضره كفركم، لأنه غني عنكم. ونبه على غناه بقوله: {فإن للّه ما في السموات والأرض} فالفاء للتعليل، وإن حرف مشبه بالفعل وللّه متعلقان بمحذوف خبرها المقدم، وما اسم موصول اسمها المؤخر، وفي السموات والأرض متعلقان بمحذوف صلة الموصول {وَكانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} تقدم إعرابها كثيرا.